السياسة الاقليمية والدولية

تعاطي إعلام دول مجلس التعاون الخليجي مع الشأن العراقي

الكاتب: نزار حاتم

لا يختلف إعلام دول مجلس التعاون الخليجي كثيراً عن نظيره العربي من حيث ارتباطه المباشر بمواقف الحكومات التي تتفق في علاقاتها مع الآخر، وتتباين تبعاً للحسابات، والمصالح السياسية لكلّ من دول المجلس؛ من دون إغفال الإشارة إلى وجود هامش نسبي لحرية الإعلام يتيح زاوية مفتوحة لاختلاف الرأي والرأي الآخر لدى بعض هذه الدول.

ويحظى العراق -بسبب موقعه الجيوسياسي- بأهمية استثنائية لدى دول مجلس التعاون؛ نتيجة التداعيات، والمعطيات التي تفرزها الأحداث -سلباً وإيجاباً- والتي تجري في الساحة العراقية، وما لها من ارتدادات على مجمل دول الإقليم؛ وبالتالي يمكن رصد المشهد الإعلامي بجلاء لدى دول الخليج العربية عبر النافذة العراقية.

ماضٍ قريب لرؤية المشهد الإعلامي:

إبّان الحرب العراقية – الإيرانية جهدَت وسائل الإعلام الخليجية في دعم العراق تماشياً مع موقف الدول التابعة لها التي حسمت أمرها في الوقوف مع الجبهة العراقية على مدى ثماني سنوات، ويستثنى من ذلك إلإعلام التابع لبعض دول الخليج التي اتخذ إعلامها منصةً له قريبةً من الحياد، وبما يتوافق مع قرارات قد اتخذتها قيادات هذه الدول في النأي بالنفس عن نيران تلك الحرب التي ما أن وضعت أوزارها حتى استدارت وجهة الإعلام الخليجي بنحو عام تجاه مربعات صامتة، وأخرى اتسمت بالهدوء المجانب لأجواء التصعيد؛ حتى بدأت تباشير أزمة النظام العراقي السابق مع دولة الكويت؛ ليتخذ إعلام دول المجلس منحىً آخر مختلفاً وبالاتجاه المضاد للنظام الحاكم في بغداد آنذاك الذي قاد احتلاله دولة الكويت الماكنةَ الإعلاميةَ الخليجية برمتها إلى مواجهة مباشرة مع حكومة بغداد مشفوعاً بدعم معظم وسائل الإعلام العربية والدولية التي وقفت بالضد من غزو الكويت الذي كان يتهدد دولاً مماثلة لولا العمل العسكري الدولي الذي قادته أمريكا لإنهائه.

وإن إقدام نظام صدام حسين على احتلال الكويت التي وقفت إلى جانبه في حربه مع العراق قد ترك في نفوس الخليجيين العرب -على الصعيدين الرسمي والشعبي- جروحاً عميقة برزت بوضوح على وسائل الإعلام الخليجية في كيل الاتهامات لنظام بغداد السابق بالغدر، وشق الصف العربي، وعدم احترام علاقة حسن الجوار، وغير ذلك من التوصيفات الموغلة بهجاء العدوانية التي طبعت سلوك نظام صدام حسين.

ولأنّ التحولات في مواقف الحكومات الخليجية تنعكس -بالمباشر- على وسائلها الإعلامية  فقد باشر الإعلام الخليجي خطواته التراجعية في هجومه على النظام العراقي حين اندلعت انتفاضة الشعب العراقي ضد نظامه الاستبدادي عقب تحرير الكويت عام 1991 مأخوذاً بالتوجس؛ مما قد تفضي إليه الانتفاضة الشعبية من تداعيات على دول الجوار؛ وهنا في ذلك المقطع الزمني المشحون بالمخاوف انحسر إعلام دول مجلس التعاون ليقف في المنطقة الرمادية مكتفياً بتغطيات خجولة لسير الأحداث التي جرت في أربع عشرة محافظة عراقية؛ ليلوذ -تالياً- بما يقترب من الصمت عقب إجهاض الانتفاضة.

وخلال الحرب التي أطاحت بنظام صدام حسين عام 2003 سجل الإعلام الخليجي ودولة الكويت بنحو خاص حضوراً لافتاً يتسابق مع الزمن في تغطية سير المعارك وتقدم قوات التحالف باتجاه بغداد، فيما دفعت دول خليجية بمراسلي الصحافة والفضائيات التابعة لها -جلُّهم غير خليجيين- إلى الداخل العراقي لمعرفة مجريات الأوضاع -أوّلاً بأول- وقد تباينت بنحو ملحوظ التغطيات الإعلامية الخليجية لوقائع الأحداث بنحو يشي باختلاف الرؤى والتصورات والرغبات لهذه الدولة الخليجية أو تلك حيال ما تؤول إليه الأوضاع العراقية عقب طي صفحة حكم البعث في العراق.

         إن وتيرة عجلة تقدم القوات الدولية نحو العاصمة العراقية لدى الإعلام الخليجي كانت تعطي إشارات واضحة بالرغبة الحاسمة في التخلص من النظام العراقي بأسرع وقت ممكن، إلى جانب الاستغراق في اعتماد التقارير التي كانت تنشغل في محاولات تلمُّس المشهد العراقي المستقبلي بعد أن تنهي قوات التحالف الدولي مهمتها الرامية إلى الإطاحة بنظام صدام حسين.

لقد ساقت الصحافة والإعلام في دول مجلس التعاون الخليجي كثيراً من الأمنيات والآمال في أن يتحول العراق من قبضة صدام حسين إلى القبضة الأمريكية بالكامل، بما يعكس رغبة عدد من الكتاب والصحفيين الخليجيين في إقصاء القوى السياسية المعارضة للنظام العراقي قبل سنين طوال؛ لأن البعض من هؤلاء الذين من بينهم أصحاب صحف كويتية -على سبيل المثال- كانوا يعتقدون أن بقاء نظام صدام ضعيفاً أفضل من أن يأتي نظام بديل يشرع بتأسيس عملية ديمقراطية قد تتسبب في ارتداد غير محسوب النتائج على دول مجاورة.

الراهن.. استغراق في السلب

وراهناً في الوقت الذي يتحدث القادة في دول مجلس التعاون عن ضرورة دعم العراق وإقامة العلاقات المشتركة معه تركز بعض الصحافة الخليجية على ما هو سلب وبطريقة انتقائية لتعطي صورة قاتمة عن المشهد العراقي الراهن؛ الأمر الذي يفتح أسئلة كثيرة لدى المتابعين عن مدى الانسجام بين هذا التعاطي الإعلامي الخليجي وتصريحات المسؤولين الخليجيين.

بعض الإيجابية

 فيما يُرجع بعض المتابعين أنفسهم هذا التفاوت إلى وجود حريات نسبية لدى الإعلام في بعض دول الخليج تسمح في إبداء وجهات النظر الشخصية التي لا تستلزم -بالضرورة- التوافق مع الموقف الرسمي.

ولعلّ الحرية النسبية المشار إليها تدفع -حتى اللحظة- ببعض الأقلام في وسائل الإعلام الخليجية إلى تناول المشهد العراقي بكثير من الحساسية، وبذل الجهد في نقل صور قاتمة عن مجمل الوضع العراقي، مع إهمال متعمد لتسليط الضوء في كثير من الإنجازات التي تحققت عقب إطاحة نظام الاستبداد من قبيل إجراء الانتخابات الحرة، والمنتجة للرئاسات الثلاث إلى جانب الحكومات المحلية، فضلاً عن الحريات المتاحة لإبداء الرأي والرأي الآخر، وكذلك الحرية الإعلامية التي تترجم نفسها عبر سيل من الصحف والفضائيات الإعلامية التي لم تخضع لرقابة السلطة، ومن دون رادع قانوني يحول دون أداء الإعلام مهمته في التأشير إلى الأخطاء، ونقد المسؤولين على مختلف مواقعهم.

إن عتلة الإعلام الخليجي -عملياً- مرتبطة جدلياً بموقف منفرد لكل دولة خليجية لها حساباتها الخاصة بها حيال العراق؛ وبالتالي لا يمكن توصيف هذا الإعلام بالموحد على وفق استراتيجية جامعة؛ لأن حسابات المصالح متفاوتة بين هذه الدول كغيرها من دول العالم.

وإن الحالة غير المستقرة والمشوبة بالشكوك والتوجسات والمخاوف التي رافقت العلاقة بين دول مجلس التعاون والعراق قد جعلت من الإعلام الخليجي متردداً في طرح رؤى، وتصورات، وتحليلات عميقة بشأن هذه العلاقة، مكتفياً بنقل الأخبار التي تتناقلها وكالات الأنباء، أو التقارير الإخبارية التي يسوقها المراسلون والمحررون بنحو عابر لا يتعدى آفاق اللحظة السياسية أو الحدث، من دون الذهاب الى رؤية متأنية وكاشفة لطبيعة العلاقات المستقبلية، أو قراءات لمآلات المشهد العراقي في ظل تحولاته الكثيرة التي يختلف أصحاب الرأي في مقاربتها بين مستغرق بالتفاؤل، وآخر سادرٍ في الرؤية التشاؤمية.

غياب التفرّد

وفي المحصلة يتعذر على المتابع الإشارة إلى حالة تفرد يمكن احتسابها للإعلام الخليجي عن سواه في معظم دول العالم العربي في مقاربة الوضع العراقي بكلّ تداخلاته، وأحداثه، وتحولاته الراهنة .

نقطة أخرى جديرة بالتوقف عندها للتعرّف على الأداء الإعلامي لدى دول مجلس التعاون حيال العراق هي أن للخلافات بين هذه الدول دوراً مباشراً في تحديد البوصلة الإعلامية لهذه الدولة أو تلك.

التعاطي برسم الخلافات

وفي عودة سريعة للماضي القريب وعقب تحرير مدينة الموصل من “داعش” الإرهابي سارع الأمير القطري الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى توصيف هذا المنجز العراقي بأنه يمثل انتصاراً للعرب، فيما واصلت الصحف ووسائل الاعلام القطرية الأخرى تغطية عمليات تحرير الأرض العراقية، والإشادة بدور العراقيين في مواجهة الإرهاب. فيما لاذت المنظومة الإعلامية لدى بعض دول المجلس بالصمت أو التعاطي الخجول مع هذا الحدث الكبير، وفي كثير من الأحيان يدخل الإعلام الخليجي برسم الخلافات القائمة بين دوله فيما يشبه الحساسية في التعاطي مع الخارج تبعاً للعلاقات المنفردة لدول المجلس مع الآخر.

إن الملاحظ جلياً أن الدولة الخليجية المتحفظة إعلامياً على الساحة العراقية، يقابلها إعلام الدولة الغريمة لها الذي يتسم بالانفتاح على ما هو إيجابي في تطورات الساحة العراقية من دون أن يمثل ذلك انفتاحاً حقيقياً بقدر ما يمثل نوعاً من الاستفزاز والنكاية بسياسة الدولة الخصم.

يخضع الإعلام الخليجي بنحو مباشر في إطاره العام إلى مديات العلاقة التي تقيمها  هذه الدولة أو تلك من مجلس التعاون مع الجانب العراقي ليتناسب طردياً والتوجّه الرسمي لها، مع وجود استثناءات محسوبة لدى بعض وسائل الإعلام الخليجية تشي بوجود المساحة الإعلامية الحرة في طرح الرأي المخالف، وإنْ بنحو نسبي لا يبتعد كثيراً عن الموقف الرسمي للدولة.

الوسوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق