قطر تستأنف نشاطها الإقليمي في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة مباحثات ناجحة لوزير الخارجية في بغداد
نزار حاتم
أجرى نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد عبد الرحمن آل ثاني خلال زيارته الأخيرة إلى بغداد سلسلة مباحثات ماراثونية مع كلّ من نظيره العراقي فؤاد حسين، ورئيس الجمهورية برهم صالح، ورئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي.
وقد تركزت هذه المباحثات في سبل الارتقاء بالعلاقات الثنائية بين البلدين في مختلف المجالات، وإعادة تفعيل اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي، وضرورة دعم المشاريع ذات الصلة بخلق فرص وظيفية التي وصفها الوزير القطري بأنها نافعة لكلا البلدين.
وخلال مباحثاته مع الرئاسات العراقية الثلاث طفت على السطح بوضوح عبارات التأكيد المشتركة على ضرورة إرساء دعائم الأمن الإقليمي، وحل المشكلات العالقة، وأهمية التنسيق بين الدوحة وبغداد؛ من أجل تحقيق الاستقرار في المنطقة.
ومن هنا يحسن القول إن هذه الزيارة -التي تعد الثانية منذ العام الماضي لنائب رئيس الحكومة ووزير الخارجية القطري إلى العاصمة العراقية- على الرغم من كونها حفلت بتناول موضوعات متصلة بالعلاقات الثنائية، بيد أنها في الوقت عينه تبيّن رغبة الدوحة في تنشيط دورها الإقليمي في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن، بعد أن كان هذا الدور قد شهد تراجعاً إبان حكم الرئيس السابق دونالد ترامب.
استقلالية السياسة القطرية حيال المنطقة
من دون شكّ أن احتفاظ الدوحة بعلاقات جيدة مع دول الإقليم -على الرغم من انزعاج بعض الدول الشقيقة لها في مجلس التعاون الخليجي- يمنحها هامشاً واسعاً في المضي باتجاه تعزيز دورها في المنطقة، وستجهد في المزيد من تصعيد هذا الدور بصرف النظر عن وجهات النظر المتباينة بينها وبين بعض شقيقاتها الخليجيات التي كانت قد ضربت عليها حصاراً شديداً لأسباب تتصل بطبيعة السياسة القطرية التي تبدو متفردة في التعاطي مع قضايا المنطقة والعالم العربي بنحو عام؛ الأمر الذي تفسره دول في مجلس التعاون بأنه نكوص عن سياسة دول المجلس حيال الآخر؛ فيما ترى قطر أن منصتها الذاتية الخاصة بمصالحها الخاصة هي البوصلة التي استطاعت من طريقها تحقيق حيويتها وتأثيريها الإقليمي والدولي بمعزل عن سواها من الدول الخليجية، وأنها تدرك أن هذا المنحى الذي انتهجته لذاتها قد عاد عليها بنتائج إيجابية إبان الحصار الذي فرضته عليها دول في مجلس التعاون، حيث أسهمت كلٌّ من إيران وتركيا -عقب إعلان القطيعة الخليجية العربية مع قطر- في تخفيف الكثير من الاختناقات عن الكاهل القطري، وساعدت في صمود الدوحة بوجه الحصار حتى اجتيازه؛ ومن ثم تسوية الأزمة -نسبياً- في إطار مجلس التعاون الخليجي.
وإن القيادة القطرية باتت تدرك أن اعتراضات بعض الدول الخليجية على سياستها الخارجية لم تعد كثيرة التأثير أو القدرة على الإعاقة، ولاسيما بعد أن طويت حقبة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ومجيء الرئيس جو بايدن الذي يحتفظ بعلاقات ودية مع قطر منذ توليه نيابة الرئيس الأسبق باراك أوباما.
ويشعر بايدن -الذي أعلن كثيراً ضرورة حل الأزمات عبر السبل الدبلوماسية- بكثير من الرضا والارتياح للمساعي القطرية الرامية إلى احتواء الأوضاع المقلقة في المنطقة التي تتداخل مع بعضها -عملياً- في المحصلات السلبية والإيجابية على حد سواء.
والملفات الساخنة في المنطقة كثيرة ومتشعبة تتيح للدوحة مساحات لاستثمار علاقاتها مع أطراف هذه الملفات؛ لتحقق من طريقها حضوراً حيوياً مؤثراً في الساحتين الإقليمية والدولية؛ بما يعزز أهدافها الطامحة إلى التصدي، وتسجيل الحضور في القضايا الكبيرة بما فيها الملف النووي الإيراني الذي يمثل التوصل إلى استئناف الاتفاق بشأنه بين واشنطن وطهران مطلباً دولياً؛ لأن انهياره سيقود المنطقة والعالم إلى مزيد من الأزمات والتداعيات التي يصعب التنبؤ بخطورتها.
التنسيق المشترك برسم النووي
ومن هنا لم يعد مستبعداً أن يكون وزير الخارجية القطري -الذي تشارك بلاده العراق في الرغبة بالتوصل إلى حل للملف النووي الإيراني- قد بحث مع المسؤولين العراقيين ضرورة التنسيق المشترك لحلحلة العقد العالقة بين واشنطن وطهران، حيث يحتفظ البلدان بعلاقات جيدة مع الجانبين الأمريكي والإيراني.
وكان نائب رئيس الوزراء القطري قد زار طهران والتقى كبار المسؤولين هناك إلى جانب نظيره محمد جواد ظريف، وأعرب عن استعداد بلاده لأداء دور في التوصل إلى حلّ للملف النووي الإيراني. وإن الدوحة قد دعت على لسان كبار المسؤولين إلى ضرورة فتح طاولة الحوار بين الدول الخليجية مع إيران؛ بغية التوصل إلى إنهاء الأزمات العالقة ولاسيما بين السعودية وإيران على خلفية الأوضاع الساخنة في اليمن بنحو خاص.
اندفاع نحو الزوايا الحادة
إن هذا الاندفاع القطري باتجاه مقاربة الزوايا الحادة؛ بغية تدويرها في دول الإقليم لا شك أنه يحظى بدعم العراق وعدد من دول المنطقة، من بينها إيران، إلى جانب التأييد أو الرضا الأمريكي كحد أدنى، وفي التوقيت المناسب.
ولكي توازن الدوحة علاقتها في الساحة العراقية حطّ الضيف القطري رحاله في إقليم كردستان، وبحث مع كل من رئيس الإقليم نيجيرفان البارزاني، وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني في العلاقة بين بلاده وبين حكومة الإقليم، فيما أشار الشيخ محمد آل ثاني إلى ما وصفه بالمناخ الملائم للاستثمار في كردستان، موضحاً أن افتتاح قنصلية لبلاده في أربيل من شأنه أن يهيّئ أرضية ملائمة للعمل في الإقليم.