السياسة الاقليمية والدولية

قراءة في أبعاد العلاقة المتوازنة بين العراق والسعودية

نزار حاتم

لم تشهد العلاقة الثنائية بين العراق والمملكة العربية السعودية منذ العام 2003 انتقالة نوعية متماهية مع الثقل المؤثر لكلا البلدين على صعيد تحقيق المصالح المشتركة، وتكريس الأنموذج الأمثل للعلاقات بين دول الإقليم.

المشهد العراقي وردات الفعل

لعلّ فرادة المشهد السياسي العراقي الذي أعقب إطاحة النظام السابق في بغداد، وبناء عمليته السياسية على أسس محاصصاتية قد تسببا في ردات فعل متباينة لدول المنطقة على وفق حسابات سياسية متباينة  تمثلت في انفتاح بعضها على الوضع العراقي الجديد، وتريث بعضها الآخر بانتظار المعطيات التي تفرزها الساحة العراقية -سلباً وإيجاباً- برسم العملية الديمقراطية، وتحولاتها المشدودة إلى عتلة الانتخابات في اختيار السلطات التشريعية والتنفيذية، إلى جانب الوضع المضطرب أمنياً بفعل الأعمال الإرهابية التي حصدت أرواح الآلاف من المواطنين العراقيين، ومن ثم احتلال “داعش” مدناً مهمةً في الغرب والشمال؛ ليمثل امتحاناً صعباً لإرادة العراقيين التي استطاعت بقوة فتوى المرجعية الدينية، والقوات المسلحة، والحشد الشعبي، ودعم قوات التحالف الدولي، إلى جانب إيران تحرير الأرض العراقية، وإلحاق الهزيمة بعناصر الإرهاب.

زيارات متعاقبة ومناخ مناسب

  لقد آثر رؤساء الحكومات العراقية المتعاقبة منذ العام 2006 (نوري المالكي، وحيدر العبادي، وعادل عبد المهدي) المبادرة في زيارة الرياض وإجراء مباحثات مع القادة السعوديين، تركزت في مجملها حول سبل الارتقاء بالعلاقة الثنائية بين البلدين، وتفعيل الممكنات في الجانب الاقتصادي والأمني لدى البلدين؛ وبالتالي ساعدت هذه الزيارات رفيعة المستوى بنحو تراكمي في تكريس الرغبة العراقية، وصدقيتها بمد جسور العلاقات مع المملكة على أسس المصالح الحيوية المشتركة، إذ بادرت الرياض عقب قطيعة دامت -خمسة وعشرين عاماً- إلى فتح سفارتها لدى بغداد، وإدامة التواصل بين المسؤولين العراقيين والسعوديين.

وهذا التعاطي الإيجابي -على الرغم من ضيق مساحته وضآلة معطياته على أرض الواقع- قد أنتج مناخاً مناسباً للمضي بتحريك المياه  في جذور العلاقة، وإنعاشها بعد سنين من الغياب.

وما يبعث على التفاؤل في هذا المنحى الثنائي الإيجابي هو عدم ارتهانه بالمواقف المتباينة لكل من السعودية والعراق حيال دول الإقليم من قبيل إيران، وتركيا بما يعني تفهماً متبادلاً لاستقلال القرار السياسي وتحديد بوصلته على وفق الحسابات والمصالح الخاصة.

العراق بعيد عن اصطفافات المحاور

وجاءت زيارة رئيس الحكومة العراقية إلى المملكة العربية السعودية يوم 31 شباط الماضي، وما رافقها من توقيعات على اتفاقات اقتصادية وثقافية وسط حفاوة بالغة أبداها كبار المسؤولين في المملكة  لتؤكد بلورة قناعة سعودية في ضرورة إنتاج المناخ الملائم؛ لتنامي العلاقات والمصالح المشتركة، إلى جانب الدور الممكن لكلا البلدين في المشاركة بنزع فتيل التوترات بالمنطقة، فيما كان الكاظمي قد شدد قبيل زيارته إلى المملكة  على أن بلاده لن تنخرط في اصطفافات المحاور، موضحاً أن العراق حريص على إقامة أفضل العلاقات مع الغرب والعالم العربي، وتركيا، وإيران؛ ليعطي إشارة واضحة في عدم انسياق العراق نحو علاقات ثنائية على حساب علاقات مماثلة مع هذه الدولة أو تلك.

ويدرك الكاظمي جيداً -ومعه قادة القوى السياسية- أن مصلحة بلادهم تكمن في بناء جسور العلاقات المتوازنة مع الجميع ولاسيما مع الدول المجاورة للعراق؛ لأن في ذلك تكمن المصلحة العراقية، وتنأى بها عن الزوايا الحادة التي تكتنف العلاقات بين بعض دول الإقليم.

ولأن الصفيح الساخن في المنطقة بين أيّ من دولها له ارتدادات سلبية على الساحة العراقية يمكن للعراق -عقب زيارة  الكاظمي الناجحة  إلى المملكة- أن يؤدي دوراً بنّاءً في ردم هوة الخلافات بين السعودية وإيران إلى جانب حلحلة الأزمة التي طال أمدها في اليمن وإخماد نيرانها الموقدة.

دور الإعلام

ولكي تواصل العلاقة الثنائية بين العراق والمملكة العربية السعودية زخمها الإيجابي ينبغي للإعلام في كلا البلدين أن يكون متوازناً لدى مقاربته هذه العلاقة، وبعيداً عن الشعاراتية التي ذهب بعض أصحابها إلى توصيف زيارة الكاظمي إلى الرياض بأنها تمثل عودة العراق لحضنه العربي، كما لو أن بلاد الرافدين كانت خارجة عن هذا الحضن، متناسياً أن لبغداد علاقات أخوية جيدة مع عموم الدول العربية، والخليجية بنحو خاص بموازاة العلاقة مع كل من أنقرة وطهران.

الوسوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق