لماذا الأزمة الأوكرانية هي خطأ الغرب..الأوهام الليبرالية التي استفزت بوتين
جون جيه ميرشايمر
يمكن اعتماداً على الحكمة السائدة في الغرب، إلقاءُ اللوم بشأن أزمة أوكرانيا بالكامل تقريباً على العدوان الروسي. وعلى وفق حجّتهم، فإنَّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضمَّ شبه جزيرة القرم بدافع من رغبة قديمة لإنعاش الإمبراطورية السوفييتية، وقد يذهب في نهاية المطاف للاستيلاء على بقية أوكرانيا، فضلاً عن بلدان أخرى في أوروبا الشرقية. ومن هذا المنطلق، فإن الإطاحة بالرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش في فبراير/شباط 2014 لم تقدم سوى ذريعة لبوتين حتى يصدر الأوامر للقوات الروسية للاستيلاء على جزء من أوكرانيا.
ولكن هذه الرواية خاطئة: فالولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون يتحملون القدر الأعظم من المسؤولية عن الأزمة. وتكمن المشكلة في توسّع حلف شمال الأطلسي، الذي يشكل العنصر المركزي في استراتيجيةٍ أكبر لإخراج أوكرانيا من المدار الروسي ودمجها في الغرب. وفي الوقت نفسه، فإن توسع الاتحاد الأوروبي شرقاً والدعم الغربي للحركة المناصرة للديمقراطية في أوكرانيا – بدءاً من الثورة البرتقالية في عام 2004 –كانا عنصرين حاسمين أيضاً. فمنذ منتصف تسعينيات القرن العشرين، عارض قادة روسيا توسعات حلف شمال الأطلسي بكل عناد وإصرار، وفي الأعوام الأخيرة أعلنوا بكل وضوح بأنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي إذا تحولت جارتهم ذات الأهمية الاستراتيجية إلى معقل للغرب. وبالنسبة لبوتين، كانت الإطاحة غير القانونية بالرئيس الأوكراني المنتخب ديمقراطياً والموالي لروسيا-الذي وصفه بأنه «انقلاب» – بمثابة القشة الأخيرة. فجاء ردُّه بأخذ شبه جزيرة القرم، وهي شبه جزيرة كان يخشى أن تستضيف قاعدةً بحريةً تابعةً لحلف شمال الأطلسي، وكذا العمل على زعزعة استقرار أوكرانيا، إلى أن تخلت عن جهودها للانضمام إلى الغرب.
إن رد بوتين لا ينبغي أن يكون مفاجئاً. ذلك لأن الغرب كان يتحرك في الساحة الخلفية لروسيا ويهدد مصالحها الاستراتيجية الأساسية، وهي النقطة التي ذكرها بوتين مراراً وبشكل قاطع. وقد صُدمت النخب في الولايات المتحدة وأوروبا بالأحداث فقط لأنها تؤيد وجهة نظر خاطئة للسياسة الدولية.إنهم يميلون إلى الاعتقاد بأن منطق الواقعية ليس له أهمية تذكر في القرن الحادي والعشرين وأن أوروبا يمكن أن تظل كاملة وحرة على أساس المبادئ الليبرالية مثل سيادة القانون والترابط الاقتصادي والديمقراطية.