قراءة في كتاب
قراءة في كتاب .. ضريبة الدم: مليارات مهدورة، أرواح مفقودة، وجشع الشركات العملاقة في العراق
بعيداً عن الجانب العسكري والسياسي الذي طغى على أحداث الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 يأتي كتاب: «ضريبة الدم: مليارات مهدورة، أرواح مفقودة، وجشع الشركات العملاقة في العراق» لمؤلفه: ت. كريستيان ميلر بأقسامه الثلاثة ليكشف عن الوجه الآخر للحرب، ويسلط الضوء على الوعود الأمريكية لإعادة إعمار العراق في الوقت الذي بعثرت خيراته وثرواته، وتم إشاعة الفوضى في أرجائه مهما كلف الشعب العراقي ضريبة دفع ثمنها بأنها من الدماء وَفق الخديعة الكبرى التي دفع ثمنها الشعب العراقي بأنهار من الدماء.
يبدأ الكاتب بسرد الأحداث الرئيسة ابتداء من اختلاق الذرائع لغزو العراق وخداع الرأي العام العالمي، وانتهاء إلى ما حل به من دمار وخراب بسبب السياسة الأمريكية واستحواذ الشركات الأمريكية العملاقة متعددة القوميات من أمثال بيتشل، فلور، مجموعة واشنطن الدولية، شركة بيريني، بارسونز، وشركة CH2M هيل، على عقود كبيرة جداً، وظهور الخلافات بين وزارة الخارجية والبنتاغون حول التحكم في الأموال، ومنع فرنسا وألمانيا وشركات أخرى من الحصول على عقود كبيرة لإعادة الإعمار، وفي مرحلة لاحقة إعلان دايفيد كاي كبير المفتشين الأمريكيين عن الأسلحة في العراق عن عدم العثور على أسلحة الدمار الشامل التي كانت المبرر الأبرز لشن تلك الحرب، وأنَّ المعلومات الاستخبارية التي تم الاعتماد عليها قبل الحرب كانت خاطئة، ومن ثم إعلان اللواء في الجيش الأمريكي بيل ماكوي أنَّ الولايات المتحدة «لم تقصد قطُّ إعادة إعمار العراق كلياً». والتي سبقها إعلان الرئيس الأمريكي بوش بأنَّ «عملية إعادة البناء لم تَسِرْ دائماً كما خططنا لها». وبذلك يخالف ما أعلنه في بداية الغزو من أنَّ هدف إعادة البناء هو جعل البنية التحتية في العراق الفضلى في المنطقة.
ويكشف عن التفاصيل الدقيقة لما كان يدور في أروقة السياسة الأمريكية في بعدها المُغيَّب عن الإعلام وسط ضجيج وصخب آلة الحرب، حيث يتناول الكاتب تكالب الشركات الأمريكية الكبرى ومن ورائها ساسة الجناح الأمريكي المحافظ للظفر والفوز بالعقود الخيالية لما أطلقت عليه الحكومة الأمريكية إعادة إعمار العراق، إذ روَّج المحافظون الجدد لشن الحرب من خلال الادعاء بانَّ التخلص من صدام حسين سيمنح الولايات المتحدة فرصة إنشاء مجتمع ديمقراطي حر ومنفتح في الشرق الأوسط. والتي اتضح فيما بعد عدم مصداقيتها، مثلما تم غزو العراق واحتلاله من خلال أكذوبة أسلحة الدمار الشامل التي اتضح زيفها لاحقاً. وبذلك يتجلى فشل السياسة الأمريكية المعلنة في أهم المجالات التي وعدت بها متمثلة بإعادة الإعمار، وقد استقى الكاتب معلوماته الدقيقة من المقابلات التي أجراها والوثائق التي اطَّلع عليها والسجلات الرسمية التي جمعها خلال مدة أكثر من عامين، وكذلك مراسلاته مع صحيفة لوس أنجلوس تايمز حول عملية إعادة إعمار العراق، بالإضافة إلى زيارته العراق أربع مرات.